في نفس المقهى المعتاد، حيث يطيب له احتساء قهوة المساء، يبسط " حمودة " سيقانه للريح، ويتفرس ملامح زوار وسط المدينة، نماذج بشرية من كل الأصناف والأنواع والأعراق تمر جيئة وذهابا بسبب أو بدونه.
مر المتسولون فرادى، فتبعهم باعة المناديل والأحزمة الجلدية، جاء من أقصى المدينة باعة الملابس الداخلية، على بعد أمتار قليلة من باحة المقهى، مر زوج غير متجانس: كهل يتأبط يد فتاة لم تبلغ العشرين من عمرها فيما يدها الأخرى مثقلة بالمجوهرات الذهبية وهاتف ثمين، يعقبهما زوج شاب كادح يبحث طرفاه فرص شغل هنا أو هناك، يحمل كل منهما محفظة يدوية.
مر رجال البوليس، الموظفون، بائعات الهوى، الشواذ، مرضى يحملون
أكياس الدواء، أصحاء يحملون مرضى فوق الأكتاف، عاد ومر رجال البوليس، بائع الحمص،
بائع عباد الشمس، مرت أم وابنها، عادت دون الابن...... مر الجميع وعاد الجميع إلا
فاتنة هيفاء، تمنى الجميع من بينهم "
حمودة " لو تمر وتعود حتى غروب الشمس، وأقسم أغلظ الأيمان لو أن الأمر أوكل
إليه، لأغلق مداخل الشارع ومخارجه فداء الفاتنة.
من طبيعته الغير المتوازنة، التعود على أماكن بعينها، أشخاص
ونمط العيش نفسه، ليس من هواة التغيير، ثم قد يحتاج جهدا جهيدا لتغيير مقهاه إن لذ
مذاقها.
عند أول طاولة، طلب كوب قهوة وشبك كلتا يديه فوق رأسه و بسط
رجليه القصيرتين. ما إن اعتدل في جلسته حتى بادرته بطلب بعدما عادت دون أن يلاحظ
ذلك.
-
هل لي بشربة ماء؟
-
نعم تفضلي.
ابتسمت ابتسامة عذبة جميلة، ملؤها الفرح والسعادة، بادرها " حمودة " بكلمات يعتقد أنها رقيقة تصلح لجميع النساء، فتح هاتفه قبالتها بعدما ركب............ 06 دلالة طلب رقم هاتفها، استمرت ابتسامتها كأنها نهر متدفق فيما استمر هو في استعمال ماجد في أساليب الإغراء دون إقناع يذكر.
من فتحة ما بين نهديها البارزة للعيان، أخرجت قرص حبوب منع الحمل وأخذت آخرة حبة من الأربعة والعشرين التي تكونه، ألقت بالحبة في جوفها ثم أتبعتها بثلاث رشفات ماء، حين وضعت الكأس فوق الطاولة كانت شفتاها قد رسمتا عليه، كأنهما هلال بارز في فلك السماء، ثم ألقت القرص الفارغ في مهب الريح وانصرفت مع المنصرفين.
قصيرة القامة، ممشوقة القوام، هيفاء، قباء، خمصانة، شعرها قصير وعيناها سوداويتان ، ترتدي قميص اصفر، داكن لم يبلغ حدود السرة، مما جعل خصرها يتراقص مع كل خطوة تخطوها للأمام.
الخليط الغير المتجانس
الذي يكون زبناء المقهى،حملق طويلا في
محاولة لصبر أغوار تضاريس جسمها الممشوق وهي تبطئ الخطى على وقع دقات كعبها العالي.
نظرنا مطولا مع الناظرين ثم عاد كل إلى حال سبيله، من يتصفح جريدة صفراء مليئة بالعناوين البراقة من دون محتوى عاد يقلبها على عجل، من ينفث دخان سيجارته في الهواء، أشعل ثانية وثالثة ، فيما عاد البعض إلى نقاش جدية وباء كورونا من عدمه.
نظرنا مطولا مع الناظرين ثم عاد كل إلى حال سبيله، من يتصفح جريدة صفراء مليئة بالعناوين البراقة من دون محتوى عاد يقلبها على عجل، من ينفث دخان سيجارته في الهواء، أشعل ثانية وثالثة ، فيما عاد البعض إلى نقاش جدية وباء كورونا من عدمه.
لحظات قليلة، حيث لازال المكان يعبق بالرائحة التي تركتها الهيفاء ،عند ثاني طاولة جلس شخصان يتبين من ملامحهما قسوة الزمن وكدح العيش، أجسام شاهقة وعضلات مفتولة بارزة تحت الملابس توحي بحب الأرض وعشقها.
يرتدي السمين قميصا للمنتخب الوطني ثم فوقه آخر بأزرار في غياب تام لأي تناسق، تملأ وجهه ابتسامة يفتقدها المزيفون من ذوي الملابس الغالية، أصلع الرأس مستدير الوجه ،كثيف الحاجبين، يمسك هاتفا ويتكئ على كرسي، صديقه الذي دخن السيجارة الأولى ومن عقبها أشعل الثانية، لا يتكلم قط، يحملق يمينا ويسارا كالمستعد للهروب، فجأة وفق أمامهما شاب في عند عقده الثالث، رث الثياب مد يده وصاح بعدما رمق علبة السجائر و القداحة فوق الطاولة معا.
- خويا شي كارو.
لم تحرك هذه الجملة أوصال الرجل الغارق في الصمت مما دعاه إلى إعادة الكرة.
- خويا شي كارو الله يحفظك.
لم يرفع رأسه، بل ترك دخان سيجارته يجيب السائل.
وهو يفرك أصابع يديه كرر طلبه للمرة الثالثة.
- خــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــويا شي كارو.
قبل أن تصل النار عقب السيجارة بسنتيمترين ألقاها الصامت بحركة بهلوانية، كادت أن تقع فوق سروال جليسه، فقفز من مكانه يتقاذفها حتى سقطت تحت الكرسي، حاول دعسها بقدمه الغليظة التي تشبه قدم الفيل الخلفية، إلا أن خفة السائل وحاجته للتدخين الذي راقب المشهد جيدا جعلته ينقض وينحني تحت الكراسي ويفوز بالعقب قبل أن ينتهي.
أخذ من عقب السيجارة المتبقي زفرتين بسرعة وهو حيث وقف المرة الأولى ، دون أدنى حركة حتى فاجأ
الجميع وأعاد العقب المنتهي تحت قدم الصامت الأخرس طالبا منه أن يقوم بدعسه عقابا
له على عدم تمكينه من سيجارة كاملة.
ابتسم الجميع من ذكاء المتشرد فعلق أحدهم * إنه متشرد ذو أنفة وكبرياء !!! لا يقوم بمهام الآخرين* بما أنه التقط العقب بنفسه من تحت الأرجل فلا داعي لإطفائه، على القدم الغليظة أن تقوم بمهمة الإطفاء، متشرد حاذق !!! رد آخر.
لم يلتفت المتشرد لقهقهات زبناء المقهى، فقط تسمر في مكانه وعيناه تنتقل بسرعة فائقة، في جميع الاتجاهات لعل عقب آخرا يقذف فيفوز به قبل أن تدكه قدم أحدهم.
وفي غفلة من الجميع، كانت الثامنة مساء قد انقضت وانقضى معها ربع من الساعة التاسعة فإذا بنادل المقهى يأمرنا جميعا بالمغادرة حتى لا يمر رجال البوليس مرة أخرى.
نظر" حمودة " إلى ساعته اليدوية وتساءل في
استغراب!!
أواه كيف مر الوقت بهذه السرعة؟!
ألا
تعتقد أن الزمن أصبح مسرعا؟!
فما
كان لي إلا أن أجبته:
""
حمودة نوض جيب شي دورة مول القهوة باغي يسد
المحال، قبيلة كون سولتي هاد الأسئلة الفلسفية""
ذ. نموس محسن
ذ. نموس محسن
.............
ردحذف،،،،،،،،،،
حذف